موضوع: القرآن الكريم معجزة فريدة فى الصيانة والحفظ
كتب : أ. د. علي جمعة
بقسم : مدرسة الإعجاز
نزل الله سبحانه و تعالي القرآن الكريم علي نبيه المصطفي ليكون هداية ورحمة للعالمين, وما تضمنه ذلك القرآن من تعاليم تهدي إلي معاملة الإنسان والكون كله برقي وحضارة ومنهج, وتدعو إلي العلم والتقدم وتنبذ العدوان والإرهاب, كل ذلك يؤكد أنه لم تشهد البشرية كتابا مثله, وكذلك لن تشهد.
وقد حفظ الله سبحانه كتابه العزيز من أي تحريف أو تدليس, فالمسلمون من أول نزول القرآن أصبحت عندهم عقيدة وثقافة لحفظه حفظا تاما, لحروفه وكلماته وحركات نطقه, وترتيب آياته وسوره, فبذلوا جهودا بديعة لترجمة هذه العقيدة وتلك الثقافة إلي واقع, وشعروا دائما بأن الله سبحانه وتعالي يؤيدهم في هذا الحفظ قال تعالي ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) 9 الحجر, فتعهد الله بحفظه ولهذا لم يقع ولن يقع التبديل فيه, وكان من صور حفظ الله للقرآن أنه لم يجعل حفظه في السطور فقط, بل جعل حفظه أيضا في الصدور, فمن أول يوم حفظوه في صدورهم وكتبوه في وثائق تؤيد هذا الحفظ.
جمع المصحف:
عندما جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه المصاحف ما كان ليستطيع أن يضيف كلمة أو يحذف آية كما يتخرص الواهمون, القدامي والمحدثون الذين تسمح ثقافتهم بهذا التلاعب مع نصوص دينهم , فقد كان عثمان لا يكتب أي آية حتي يشهد عليها اثنان من الصحابة وهم عدول, ثم تناقله المسلمون تواترا جيلا بعد جيل حتي قيام الساعة, قال تعالي (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) 49 العنكبوت, قال القرطبي في تفسيره نقلا عن الحسن (أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم إلا نظرا فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيون), وما ذلك إلا لأن القرآن محفوظ في الصدور, ميسر علي الألسنة, مهيمن علي القلوب, معجز لفظا ومعني. وحفظ القرآن أمر كوني يتولاه الله عز وجل بنفسه, ودلالة ذلك ما نجده من أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات ويحفظون القرآن عن ظهر قلب, فمتي حفظ هؤلاء هذا الكم الكبير من الآيات؟ وكأنهم قد خرجوا من بطون أمهاتهم يحفظون ذلك الكتاب الكريم!
لقد استطاع المسلمون أن يحافظوا علي كتابهم علي مر العصور بحفظ الله له, وجعلوه محورا لحضارتهم وأنشأوا من أجل الحفاظ عليه العلوم, وتفننوا في كتابته بأجمل الخطوط, عاشوا معه وفيه وبه, فأقاموا حضارتهم بحفظهم لكتابهم وتفاعلهم معه. فمنه الانطلاق, وإليه الرجوع, وهو المخدوم بالعلوم, ولذلك نراهم أنهم قد بداؤا في خدمة العربية من أجل القرآن.
كل هذا كان منهم بغرض حفظ كتاب رب العالمين, دون حول منهم ولا قوة, فهو وعد من الله الذي أنزله بأن يحفظه, ولم يكن في مقدور سيدنا محمد ولا أحد من البشر من بعده أن ينفذ هذا الوعد. ولكن الواقع الذي نعيشه يؤكد أن الوعد قد تم, ويزداد الإعجاز عبر الزمان من كل جهة; فإن القرآن لم يحفظ في الخزانات بعيدا عن الناس, ولم يقتصر حفظه علي عائلات بعينها أو علي فئة بذاتها, بل إن الجميع قد حفظه, ولذلك كانت الرقابة علي حفظه من كل الأمة عبر الزمان والمكان, فقد حفظه الأطفال بعشرات الآلاف في كل مكان, وزاد من الإعجاز أن حفظه من لم يتعلم العربية ولم يعرف فيها كلمة واحدة.
محاولات التحريف:
وقد تعرض القرآن الكريم لمحاولات التحريف فلم تفلح, ولمحاولات الترجمة الخاطئة السيئة النية فلم تؤثر فيه, ولمحاولة الطباعة المحرفة فبقي كما هو, ولمحاولة تقليده ومحاكاته بسيئ الكلام وركيكه فلم يزحزح عن مكانته, بل إن كل ذلك أكد معجزته الباقية عبر الزمان, وأعلي من شأنه في صدور الناس, وكان كل تلك الدعاوي والافتراءات- بالرغم مما اشتملت عليه من العدوان والطغيان- سببا في تمسك المؤمنين به, وبابا جديدا للدعوة إلي الله ودخول الناس في دين الله أفواجا, وبدلا من إبادة المسلمين التي أرادها مشركو مكة ومن بعدهم الفرس والروم ومن بعدهم الفرنجة والتتار ومن بعدهم الاستعمار والمتعصبون في الشرق والغرب, بدلا من ذلك انتشر الإسلام وأصبح عدد المسلمين أكبر أتباع دين طبقا لموسوعة جينز للأرقام القياسية.
ورب ضارة نافعة, ففي تطاول أولئك المتطرفين علي الإسلام والقرآن دليل علي خواء الفرية القديمة والحديثة القائلة إن الإسلام انتشر بالسيف وهو محض افتراء, ذلك أنه في ظل تسامح المسلمين مع الحملة الشرسة التي توجه ضدهم وتصفهم بالإرهاب, نجد تزايد أعداد المسلمين في العالم أجمع يوما بعد يوم,شرقا وغربا. وذاع القرآن بصورة سلمية لأنه كتاب يصل إلي القلب والعقل معا, ينير البصر والبصيرة, ويعرف طريقه إلي النفوس السوية التي تخلصت من الحقد والكراهية.
لقد كشفت الآونة الأخيرة عن نتائج مهمة ينبغي أن ينتبه لها المسلمون, فلا ننتظر حرقا آخر لكتاب الله من حاقد أو معتوه, أو طعنا في حفظه وقدسيته من متعصب أو جاهل كي ننهض إليه وندفع عنه الجهل والتشويه, إننا كمسلمين مطالبون بأن نعود إلي ريادة كتاب الله في آياته ومعانيه, بالقول والعمل, ونأخذ بزمام المبادرة ولا ننتظر ردود الفعل, ونخلع عن أنفسنا ثوب التقصير الذي طالما ارتديناه, فنصل إلي أرجاء المعمورة, نبلغ عن الله عز وجل كتابه العظيم وسنة نبيه, بالقول والعمل, وبكل لغات العالم, رغم افتراء الحاقدين ومعاندة المكابرين,قال تعالي (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) 8 الصف.
منقوول عن
جريدة الأهرام - الأثنين 27 سبتمبر 2010